ترى .. ما الذي جعل الحصول على جواز سفر دولة أخرى غير جواز السفر المصري أو حتى مجرد الخروج من مصر حلماً لملايين الشباب المصري يدفعون لقاء تحقيقه كل غالي ونفيس؟
لقد أصبح هذا الأمرهو حلم كل شاب مصري يعي ما يدور حوله ويعلم ما آلت إليه الأحوال في وطنه من عدم احترام لحقوق الانسان وانهيار لمعايير الترقي بل والتوظيف ..
أعلم أن البعض ممن يحلو لهم ترديد الشعارات بأفواههم فقط دون أن تستقر في قلوبهم سيعلقون على هذا الموضوع ويكيلون لي الاتهامات ويؤكدون أنهم لو دفع لهم مال قارون فلن يغادروا وطنهم ولن يتخلوا عن جنسيتهم المصرية مهما كانت المغريات
وأنا وأنت عزيزي القارئ نعلم علم اليقين أن هؤلاء وغيرهم ستختلف ردود أفعالهم على أرض الواقع إذا ما عرض عليهم الحصول على جنسية امريكية أو بريطانية أو فرنسية او جنسية أي دولة أوروبية ..
وأود أن أطرح من خلال هذا الموضوع قضية في غاية الأهمية هى : لماذا يسعى مواطن دولة ما إلى الحصول على جنسية دولة أخرى وقد يتنازل في سبيل ذلك عن جنسيته (كما تشترط قوانين السعودية وألمانيا مثلاً) ،
دعونا نتطرق إلى القضية .. لا شك عندي في أن الملايين من شباب مصر سواء في الداخل أو الخارج (في أوروبا وأمريكا وليس الخليج العربي فيما اعتقد) يسعون إلى الحصول على جنسية دولة أوربية أو غيرها عبر عدة طرق منها الزواج من عجوز شمطاء تريد إلى جوارها شاباً فتياً يعيد إليها مشاعر أنوثة قديمة (حدثني عن حلم الشباب في السفر للعمل بالسياحة في الغردقة وشرم الشيخ وقضاء البعض عدة ساعات على الانترنت لعمل محادثة مع أي أجنبية!!) ، أو أخرى تريد الحصول على الإقامة في مصر لممارسة أي عمل شرعي أو غير شرعي ولن يتأتى لها ذلك إلا بالزواج من مصري يحصل هو في المقابل على جنسية أو على الأقل حق الإقامة في دولتها الأوروبية ، وربما يحصل على الإقامة الشرعية عبر الزواج المدني من امرأة أجنبية في مقابل أن يدفع لها شهرياً عدة آلاف من الدولارات أو اليوروهات إلى أن يحصل على الإقامة والجنسية بعد ذلك (أعلم أشخاص فعلوا ذلك في الولايات المتحدة) وغالباً ما تكون امرأة سمراء فقيرة تتاجر بهذا الأمر، وفي حالات قليلة جداً قد يؤدي الحب والمشاعر الصادقة إلى الزواج الشرعي وبالتالي الحصول على الجنسية وهذا في حالات شديدة الندرة
أما وقد عرفنا كيف فيجب ان نعلم لماذا ..
ولماذا هذه تحتاج إلى حديث طويل لا يتسع له المقام هنا .. والاجابة في رأيي تنحصر فيما يلي:
1- حلم الثراء : فالشاب حين يحصل على جنسية دولة أخرى يستطيع المعيشة في هذه الدولة بأمان دون مطاردة الشرطة له بحجة الإقامة غير الشرعية وإذا علمت عزيزي القارئ أنك إذا كنت تعمل بصفة غير قانونية في دولة أجنبية فإن مقابل عملك في الساعة سيكون من 7 إلى 10 دولارات وأن عملك بصفة قانونية شرعية سيجعل مقابل ساعة عملك 20 إلى 50 دولار - وربما أكثر بحسب مهنتك- لعلمت لماذا يسعى المهاجرون إلى الحصول على الجنسية أو الإقامة .. وبالتالي سيتضاعف دخلك الشهري والسنوي وتستطيع أن تحقق في عدة سنوات ما لن تحققه في مصر لو عشت عدة أعمار إلى جانب عمرك .. كما أن الجنسية الأخرى ستمنح رجل الأعمال أو الشاب المصري امتيازات هائلة لعمل مشروعات في مصر دون أن يتعرض له أحد أو يجرؤ على مصادرة أمواله والا أحيل الأمر إلى القضاء والتحكيم الدولي
2- ضرورة حياتية: وهذه تحدث في حالات مثل الدكتور احمد زويل أو الدكتور مصطفى السيد أو غيرهما من علماء مصر الأجلاء والذين تتيح لهم الجنسية الأخرى تسهيلات هائلة في حقل البحث العلمي واعتقد أن هذه الحالة لا غبار عليها اللهم الا إذا كان أحدهما سيتولى منصباً رسميا في مصر .. وهو المستحيل بعينه بالطبع!!
3- حلم الأمان والكرامة: لا يمكن لعاقل أن ينكر أن أي رجل شرطة مهما علت درجته في عالمنا العربي لا يستطيع إهانة أي مواطن أجنبي في بلاده (إلا إذا كانت دولته لا تحترمه هو ابتداء).. ولا يمكنه أن يجره من "قفاه" إلى قسم الشرطة ليلعن أسلافه لمجرد أنه نسي أن يضع حزام الأمان أو أنه لا يحمل طفاية حريق أو غيرها من الأمور التي لا تستدعي السب والإهانة أو أن رجل الشرطة شعر بتعالي المواطن عليه، كما أن رجال الأعمال يلجأون للحصول على جنسيات أجنبية كي يكون لهم أكثر من محل إقامة وأكثر من جنسية بهدف تعظيم وتأمين المصالح وتوفير الحماية لهم بحيث إذا ظهرت مشكلة في دولته الأم يلجأ للدولة الأخرى التي يحمل جنسيتها..
والكل يعلم بالطبع كيف يتم احترام الانسان في الخارج وكيف ينظر للمتهم على أنه برئ حتى تظهر إدانته وكيف لا تعطي هذه الإدانة الحق للبعض في انتهاك حرمات منزله وأهله وامواله حين تفتيش منزله مثلا ً
ولك أن تتخيل كيف ستتم معاملتك في الخليج الذي يطبق فيه قانون العبودية "أو الكفيل" لو كنت تحمل جنسية أخرى .. فهل تعلم مثلا أنك كمواطن أمريكي أو فرنسي لا يمكن أن يكون لك كفيل خليجي؟!! فدول الغرب تعد هذا القانون أحد القوانين المهينة والذي لا يجوز تطبيقه على مواطنيها .. فنحن العرب لا نستقوي إلا على بعضنا البعض لعقدة في أنفسنا .. أمجاد ياعرب أمجاد
روى لي صديق كان يعيش في الولايات المتحدة وحصل على جنسيتها أنه كان في زيارة قصيرة إلى مصر لرؤية عائلته واصطحب معه صديق مصري آخر يحمل الجنسية الأمريكية أيضاً .. وكان صديق صديقي يقود سيارته أعلى أحد الكباري إلى أن استوقفته لجنة شرطة (هل هناك لجان شرطة على وجه الأرض يتم عملها على كباري إلا في مصر المستهدفة من كل مخلوقات الكون بزعمهم؟!) وطلب منه ضابط الشرطة أوراقه بطريقة فظة للغاية فقال له الرجل: أرجوك لا تتحدث إلى بهذه الطريقة .. أُطلب ما تشاء بطريقة مهذبة وسأعطيك إياه .. وطبعأ لأنهم لا يخطئون .. ويسألون عما يفعلون ولا يُسألون .. قام رجل الشرطة بسب قائد السيارة بأفظع الكلمات طالباً منه النزول من السيارة فما كان من الرجل إلا أن تحدث بالإنجليزية إلى صديقي قائلاً له: قل لهذا الشرطي أني سأتوجه معه إلى قسم الشرطة ومن الآن فصاعداً لن أتحدث إلا بالانجليزية حتى يأتي أحد مسئولي السفارة الأمريكية .. وعندما ترجم صديقي هذه الكلمات لضابط الشرطة امتقع وجهه وأصفر لونه وارتعدت فرائصه وأخذ يعتذر عما بدر منه لنصف ساعة .. تخيل ماذا كان سيحدث لو لم يكن مع الرجل جنسية أخرى!!
رواية أخرى قصها على أحد أصدقائي من الصحفيين خلال تغطية انتخابات مجلس الشعب عام 2005، حيث قامت قوات الأمن بحصار فريق من المراسلين شرعوا في التقاط الصور والحديث مع المواطنين عقب منع قوات الأمن لهم من الإدلاء بأصواتهم في إحدى دوائر طنطا، ولما استحكم "الكرودن" الأمني صاح أحد الضباط: من كان معه جواز سفر أجنبي فليرفعه عالياً وليخرج بهدوء .. ولك أن تتصور عزيزي القارئ ما الذي حدث لمن تبقى داخل تلك الحلقة ..!!
رواية أخيرة تابعناها كمصريين مؤخراً تجسد لنا ما تعنيه الجنسية الأخرى من أمان واستقرار للمواطن المصري حتى لو كان شخصية مشهورة وثرية.. وهي عن المطربة الوطنية "شيرين" صاحبة أغنية "ما شربتش من نيلها" والتي كانت تخطط للولادة في الولايات المتحدة حتى تحصل هي وطفلتها على الجنسية الأمريكية والتي تراجعت عنها مع الضغط الجماهيري –وربما الرسمي - العنيف عليها .. ليوقن الجميع أن مسألة الأغاني الدينية والوطنية ماهي إلا "أكل عيش" و"سبوبة" لهؤلاء وإلا لما هرب بعضهم من أداء الخدمة العسكرية ليغني بعدها ارمي حمولك عليا ويبقى انت أكيد في مصر!!
وفي النهاية أعود وأطرح سؤالي: ترى عزيزي القارئ .. ماذا سيكون رد فعلك إذا ما أتيحت لك فرصة للحصول على جنسية أو الإقامة في دولة أوروبية أو غربية؟ وكيف ستعيش وماذا سيكون سلوكك في وطنك وأنت معك جنسية أخرى؟ وكيف سيكون سلوكك وأنت في وطنك الثاني؟ وما هو مقدار شعورك بالأمان في وطنك الأم وأنت معك جنسية أخرى؟